Jumat, 27 November 2015

معنى الحسن والقبيح وتصوير النزاع فيهما (أصول الفقه)


 إن الحسن والقبيح لايستعملان بمعنى واحد، بل لهما ثلاث معان، فأي هذه المعانى هوموضوع النزاع؟..فنقول:
أولاً: قد يطلق الحسن والقبيح ويراد بهما الكمال والنقص. ويقعان وصفا بهذاالمعنى للأفعال الاختيارية ولمتعلقات الأفعال. فيقال مثلا: العلم حسن، وتعلم حسن، وبضد ذلك يقال: الجهل قبيح، وإهمال التعليم قبيح. ويراد بذلك أن العلم والتعليم كمال للنفس وتطور فى وجودها، وأن الجهل وإهمال التعلم نقصان فيها وتأخير فى وجودها.
وكثير من الأخلاق الإنسانية حسنها وقبيحها باعتبار هذاالمعنى، فالشجاعة والكرم والحلم والعدالة والأنصاب ونحوذلك إنما حسنها باعتبار أنها كمال للنفس وقوة فى وجودها . وكذلك اضدادها قبيحة لأنها نقصان فى وجود النفس وقوتها.

ثانيا: انهما قد يطلقان ويراد بهما الملائكة للنفس والمنافرة لها، ويقعان وصفا بهذاالمعنى أيضا للأفعال ومتعلقاتها من أعيان وغيرها.
فيقال فى المتعلقات : هذا المنظر حسن جميل. هذا الصوت حسن مطرب، وهذا المذوق حلو حسن.
ويقال فى الأفعال : نوم القيلولة حسن ، والشرب بعد العطس حسن كذلك.
فيرجع معنى الحسن والقبيح فى الحقيقة إلى معنى اللذة والألم، أو فقل إلى معن الملائمة للنفس وعدمها ، ماشئت فعبر فإن المقصود واحد، لأن النفس تلتذ بهذه الأشياء وتتذوقها لملاءمتها لها.

ثالثا : إنهما يطلقان ويراد بهما المدح والذم، ويقعان وصفاً بهذا المعنى للأفعال الاختيارات فقط. ومعنى ذلك : أن الحسن ما استحق فاعله عليه المدح والثواب عند العقلاء كافة، والقبيح هو ما استحق عليه فاعله الذام والعقاب عندهم كافة. وبعبارة أخرى ان الحسن ماينبغى فعله عند العقلاء ، أي أن العقل الكل يدرك أنه ينبغ فعله، وأما القبيح ماينبغ تركه عندهم ولاينبغ فعله.
والتّفق الأشاعرة والمعتزلة على أن العقل يدرك الحسن والقبيح فى شيئين أو مععنيين:
الأول : إطلاق الحسن على ملائم الطبع كالحلاوة وعذوبة الصوت وإنقاذالغرقى، والقبيح على منافر الطبع ومخالفه كالمرارة وأخد الأموال ظلما.
الثانى: إطلاق الحسن على صفة الكمال كالعلم والصدق ، والقبيح على صفة النقص كالجهل والكذب.
    إذا ؛ المعنى  الأولى والثاني للحسن والقبح متفق عليهما بين المتكلمين انهما عقليان مدركان بالعقل .
    وقال ابن تيميه "كون الفعل صفة كمال أو صفة نقص هذا القسم لم يذكره عامة المتقدمين المتكلمين في هذه المسألة ولكن ذكره بعض المتأخرين كالرازي و أخذه عن الفلاسفة والتحقيق أن هذا القسم (يقصد الثاني) لا يخالف الأول ".
      وأما محل النزاع فهو فى إطلاق الثالث : وهو أن يراد بالحسن: ما يترتب على فعله المدح فى الدنيا والثواب فى الأخرة. والقبيح : ما يترتب على فعله الذم فى الدنيا والعقاب فى الأخرة كذلك. وهنا يظهر الخلاف، فهل يستقل العقل بإدراك الحسن والقبيح بهذا المعنى، وإذا أدركه فهل يكلف الشخص به فعلاً أوتركاً. ويترتب بالتالي الثواب أوالعقاب فى مخالفة ماأدركه العقل؟.. هناك ثلاثة مذاهب في موضوع النزاع.
أراء المتكلمين أو المذاهب في مسألة التحسين والتقبيح...؟
·       مذهب الأشاعرة
·       مذهب المعتزلة
·       مذهب الماتريدية

الأول-مذهب الأشاعرة ومن واقفهم:(الأشاعرة: هم الذى أتباع أبى الحسن الأشعرى من أئمة المتكلمين،توفي سنة 224ه)ويقول هؤلاء: إن الحسن والقبح هما شرعيان، فما أمر به الشارع كالإيمان والصلاة والحج فهو من حسن، وما نهى عنه كالكفر وغيره من المحرمات فهو قبيح، ولو أنه افتراضاً أمر بالمحرمات ونهى عن الحسنات، لكان ما أمر به حسناً وما نهى عنه قبيحاً. وبناء عليه فلا يطالب المرء عندهم بشئ فعلاً أو تركاً إذا أدرك بعقله حسنه أو قبيحه إلاّبعد بلوغ الدعوة ، ويترتب عليه أنه لاعقاب من الله تعالى على ترك الشخص ماراه حسناً أو فعل ماراه قبيحاً إلا إذا بعث الله رسولاً. فالعقل لايصلح طريقاً لإدراك حكم الله تعالى فى أفعال المكلفين.

الثانى: مذهب المعتزلة ومن واقفهم، كالكراميّة والخوارج والشيعة الجعفرية والبراهمة والثنوية وغيرهم، يقول هؤلاء : إنّ الحسن والقبح عقليان لايتوقف إدراكهما على الشرع، والشرع فقط مؤكد لحكم العقل فيما يعلمه من حكم الله تعالى. ( والمعتزلة هم أتباع واصل بن عطاء المتوفى سنة 131ه، وعمر بن عبيد المتوفى سنة 144ه) وإدراك العقل للحسن والقبح: إما أن يكون ضرورياً كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار، أو يكون بالنظر والتفكير كحسن الصدق الضار،  وقبح الكذب النافع، وذلك كأن يكون فى الصدق ضرر لبعض الأشخاص، وفى الكذب نفع لهم. فإنّ التفكير يهدى المرء فى هذه الحال إلى أن الضرر فى الصدق، والنفع فى الكذب لايتعدى أن يكون ضرراً لبعض الأفراد، أو نفعاً لهم على حساب مصلحة المجتمع.
    وقال بعض المعتزلة: إنّ الحسن والقبح ليسا ذاتين ولا لصفة ملازمة له ، وإنما لاعتبارات تختلف باختلاف الأحوال كمراعات مصلحة الفرد أحياناً، والمصلة المجتمع أحياناً أخرى. وفى الفعل كذلك لاتفاركه ، فلا يتوقف تحسينه وتقبيحه على اعتبار المعتبر.
    وعلى كل حال : فإن العقل- كما قال الإسنوى عن مذهبهم – له صلاحية الكسف عن الحسن والقبح، وأنه لايفتقر الوقوف على حكم الله تعالى إلى ورود الشرائع لاعتقادهم وجوب مراعاة المصالح والمفاسد، وإنما الشرائع مؤكدة لحكم العقل فيما يعلمه العقل بالضرورة، أو بالنظر كما بينا. فأما مالا يعلمه العقل بالضرورة ولا بالنظر، فإن الشرائع مظهرة لحكمه لمعنّى خفي علينا، فالحاكم حقيقةً هو الشّوع إجمالاً. وإنما الخلاف فى أن العقل هل هو كافٍ فى معرفة حكم الشرع أولا؟.. ويترتب على رأي المعتزلة : أنّ العبد مطالب قبل ورود الشرائع بعمل ما راه حسناً، وترك ما راه قبيحاً، والله تعالى يعاقبه إذا عمل على غير ما راى.
    ومذهب المعتزلة فى هذا شبيه بما قال بعد علماء الأخلاق: إنّ مقياس الخير والشرّ هو ما يدريك فى الفعل من نفع أو ضرر لأكبر مجموعة من الناس يصل إليهم أثر الفعل. وعلى هذا : فإنّ من لم تبلغهم دعوة الرسل ولا شرائعهم مطالبون بفعل ما يهديهم عقلهم إلى أنّه حسن ، ويثابون من الله تعالى على فعله، وبترك ما يهدهم عقلهم إلى أنه قبيح، ويعاقبون من الله على فعله.

الثالث: مذهب الماتريدية، وهم أتباع أبى منصور محمد الماتريدي (نسبة إلى ماتريد بسمرقند، توفي سنة 233ه) ومن هؤلاء علماء الحنيفة ، يقولون : إنّ الحسن والقبح عقليان أي لايتوقفان على الشرع بل يدركهما العقل . والحسن والقبح عند بعض هؤلاء بالإطلاق الأعم بخلاف المعتزلة، أي أنّه قد يكونان لذات الشيء أولصفة فيه أو لاعتبارات مختلفة.
    ومتقدمو الماتريديه يخالفون متأخرهم، فيقول متقدمهم، إن العقل قد يستقل في إدراك بعض أحكامه تعالى، وذلك كالإيمان وحرمة الكفر وكل مالا يليق بجانبه تعالى، حتى على الصبي العاقل، وتعتبر دمة العبد مشغولة بما يدركه العقل، فمن لم يؤمن مثلاً عاقبه الله تعالى، ما لايعف عنه، سواءٌ بَلَغْتُهُ الدعوة أم لا. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لاعذر لأحد فى الجهل بخالقه لما يرى من الدلائل. وقال صاحب مسلم الثبوت: لعل المراد بعد مضي مدة التأمل، فإنه العقول متفاوتة. وهؤلاء يوافقون المعتزلة فى الأشياء الظاهر حسنها وقبحها، ولكن لايقولون بتحتيم العقاب كمايقول المعتزلة لجواز العفو من الله سبحانه تعالى.
    ومتأخر والماتريدية يقولون: إنّ الحسن والقبح عقليان كما يقول المعتزلة، ولكنهم يخالفون المعتزلة فى أنّ الحسن والقبح لايستلزمان حكماً فى العبد، بل يصير موجباً لاستحقاق الحكم من الحكيم الذي لايرجح المرجوح، فما لايحكم ليس هناك حكم، ولهذا فإنّهم اشترطوا بلوغ الدعوة فى التكليف بخلاف المعتزلة. فالفرق بين هؤلاء المتأخّرون وبين المعتزلة هو وقوع التكليف ، فعند متأخرى الماتريدية: لاتعتبر ذمّة العبد مشغولة بطلب الشّيء فعلاً او تركاً، ولا جزاء من الله مطلقاً قبل ورود الشرائع، ويتفقون مع المعتزلة فى أنّ العقول صالحة لإدراك مناط الثواب أو العقاب فى بعض الأفعال.
تحليليّة ونقديّة...
    في مسألة التحسين والتقبيح  كما ذكر قول من قال أن العقل يمكن أن يدرك حسن الأشياء وقبحها وعليه يتم التكليف وهم المعتزلة ومن تبعهم وقولٌ آخر وهو قول الأشاعرة أن العقل لا يمكن أن يصل إلى حسن الأشياء أو قبحها في مدار التكليف بل إن أوامر الشرع ونواهيه  هي الحسن والقبح ، فما أمر به فهو حسن بغض النظر عن صفته وما نهى عنه فهو قبيح بغض النظر عن صفته.
وقوله تعالى (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) [الأعراف 157]
فالمعروف الذي يأمرهم به ما ترى العقول حسنه والمنكر المنهي عنه هو ما تنكر القلوب قبحه فلو أن المعروف لا يعرف الا بالشرع لكان معنى الآية يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عما ينهاهم عنه وهذا بعيد.
 وقوله تعالى (إن الله لا يأمر بالفحشاء )  أي لا يأمر بما هو فاحشة في العقول والفطر ولو كان سبب تسميتها فاحشه أن الله نهى عنها فقط ؛ لكان معنى الآية :إن الله لا يأمر بما نهى عنه وهذا الأسلوب يصان عنه البشر فكيف بالله .
   ولكن ينبغي أن نعلم أن أمر الله لنا بتركها جعلها أزجر في النفوس السليمة وأبعد عن الوقوع فيها.
    وذكر قول أهل السنة في كلام شيخ الإسلام و أنهم جمعوا بين القولين و قالوا :إن الله علل أحكامه فيمكن أن يدرك معظم حسن الأفعال ومعظم قبحها لا جميعها و لكنهم أنكروا على المعتزلة قولهم إن أدراك العقل للحسن والقبح عليه مناط التكليف و قالوا :إن الإنسان لا يمكن أن يثاب أو يعاقب على عمل حسن أو قبيح حتى يرد الشرع به و إلا فلا.
    أما الما تريدية و إن قالوا إن العقل يمكن أن يدرك الحسن في بعض الأفعال دون بعض كوجوب الإيمان بالله ، ونسبة الكذب له والسفه فعندهم يجب الإيمان بالله ولو بدون رسول وبعضهم قال لا يجب الإيمان بالشرائع إلا برسول.
إذاً قد ظهر  مما سبق أن الفرق منقسمة من حيث (الجملة) في مسألة إدراك العقل أو عدم إدراكه لحسن الأشياء و قبحها إلى قسمين :
القسم الأول: الأشاعرة ومن تبعهم من المالكية والحنابلة والشافعية حيث قالوا ليس للعقل أن يحسن ولا يقبح والقارئ لأدلة كل فرقه من القسم الأول مثلاً يجد أن لديهم قدر مشترك من الاستدلال بالنص أو العقل على ما ذهب إليه ، بل نجد أن من أصحاب القسم الأول من يأخذ بجزء من أدلة أصحاب القسم الثاني فمذهب أهل السنة خليط بين الأمرين .
والقسم الثاني : المعتزلة وبعض الما تريدية وهو جزء من قول أهل السنة كما ذكره ابن تيميه .
ولذلك آثرت أن اجعل الأدلة إجمالا للقائلين بأن العقل يمكنه إدراك الحسن والقبح بغض النظر عن كيفية ذلك فأني سأجعلهم مع بعضهم وأيضا أورد أدلة القائلين بأنه لا يمكن للعقل أن يكشف حسن شيء أو قبحه في مناط التكليف .

النتيجة:
    كما عرفنا إنّ الحسن والقبيح ويراد بهما الكمال والنقص. ويقعان وصفا بهذاالمعنى للأفعال الاختيارية ولمتعلقات الأفعال. فيقال مثلا: العلم حسن، وتعلم حسن، وبضد ذلك يقال: الجهل قبيح، وإهمال التعليم قبيح. ويراد بذلك أن العلم والتعليم كمال للنفس وتطور فى وجودها، وأن الجهل وإهمال التعلم نقصان فيها وتأخير فى وجودها.
    والحسن أوالقبح هما شرعيان، فما أمر به الشارع كالإيمان بالله، والملائكة، وكتب الله تعالى، والنبى أو الرسول الله، ويوم الأخر، والإيمان بالقدر خيره وشرّه، وعملية الشرعية كالصلاة والحج فهو من حسن، وما نهى عنه كالكفر وغيره من المحرمات فهو قبيح، ولو أنه افتراضاً أمر بالمحرمات ونهى عن الحسنات، لكان ما أمر به حسناً وما نهى عنه قبيحاً.
المراجع:
القران الكريم
اصول الفقه الإسلامى ، المؤلف الدكتور وهبية الزحيلي (دار الفكر).
اصول الفقه الجزء الأول، المؤلف الشيخ رضا المظفر.
أفعال العباد ،البخاري ،تحقيق عبدالرحمن عميرة ،المعارف السعودية ،الرياض ،1368


Tidak ada komentar:

Posting Komentar

Pemaknaan Kebengkokan Wanita sebagaimana Tulang Rusuk

Terkadang kita selalu mendengar, ada istilah bahwa “wanita itu bengkok” seperti tulang rusuk. Tentu mungkin ada yang bertanya-tanya maksud...